الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (87- 90): {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}والمعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم جماعات، ف {من} للتبيعض؛ والمراد من آمن منهم نبياً كان أو غير نبي، ويدخل عيسى عليه السلام في ضمير قوله: {ومن آبائهم}، ولهذا قال محمد بن كعب الخال أب والخالة أم، {واجتبيناهم} معناه تخيرناهم وأرشدناهم وضممناهم إلى خاصتنا وأرشدناهم إلى الإيمان والفوز برضى الله تعالى. قال مجاهد معناه أخلصناهم، و{الذرية} الأبناء وينطلق على جميع البشر ذرية لأنهم أبناء، وقال قوم: إن الذرية تقع على الآباء لقوله تعالى: {وآية لهم أنّا حملنا ذريتهم في الفلك} [يس: 41] يراد به نوع البشر وقوله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به} الآية، {ذلك} إشارة إلى النعمة في قوله: {واجتنبناهم} وإضافة الهدى إلى الله إضافة ملك، و{حبط} معناه تلف وذهب لسوء غلب عليه، و{أولئك} إشارة إلى من تقدم ذكره و{الكتاب} يراد به المصحف والتوراة والإنجيل والزبور، و{الحكم} يراد به اللب والفطنة والفقه في دين الله، و{هؤلاء} إشارة إلى كفار قريش المعادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى كل كفار في ذلك العصر، قاله قتادة وابن عباس والسدي وغيرهم، و{قوماً} يراد به مؤمنوا أهل المدينة، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم، فالآية على هذا التأويل وإن كان القصد في نزولها هذين الصنفين فهي تعم الكفرة والمؤمنين إلى يوم القيامة، وقال قتادة أيضاً والحسن بن أبي الحسن المراد ب القوم من تقدم ذكره من الأنبياء والمؤمنين، وقال أبو رجاء: المراد الملائكة، والباء في {به} متعلقة بقوله: {بكافرين} والباء في قوله: {بكافرين} زائدة للتأكيد وقوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله} الآية، الظاهر في الإشارة ب {أولئك} أنها إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الاقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة، وإنما يصح اقتداؤه بجميعهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة، وقد قال عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة: 48] ويحتمل أن تكون الإشارة ب {أولئك} إلى قوله: {قوماً}.قال القاضي أبو محمد: وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم ويقلق بعضها، قال القاضي ابن الباقلاني: واختلف الناس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه متعبداً بشرع من كان قبله، فقالت طائفة كان متعبداً، واختلف بشرع من؟ فقالت فرقة بشرع إبراهيم، وفرقة بشرع موسى، وفرقة بشرع عيسى، وقالت طائفة بالوقف في ذلك، وقالت طائفة لم يكن متعبداً بشرع من كان قبله وهو الذي يترجح.قال القاضي أبو محمد: ولا يحمل كلام القاضي على أنه لم يكن متعبداً بشرع من كان قبله في توحيد ولا معتقد لأنَّا نجد شرعنا ينبئ أن الكفار الذين كانوا قبل النبي عليه السلام كأبويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحداً النار إلا بترك ما كلف، وذلك في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [الإسراء: 15] وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع، فالوجه في هذا أن يقال إن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله دعاء عاماً واستمر ذلك على العالم، فواجب على الآدمي البالغ أن يبحث على الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها، ويؤمن ولا يعبد غير الله، فمن فرضناه لم يجد سبيلاً إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنماً بل تخلى فأولئك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين، ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنماً وكفر فهذا تارك للواجب عليه مستوجب العقاب بالنار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل بتوحيد الله عز وجل، وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي، وأما بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهل هو وأمته مخاطبون بشرع من تقدم فقالت فرقة لسنا مخاطبين بشيء من ذلك وقالت فرقة نحن مخاطبون بشرع من قبلنا.قال القاضي أبو محمد: ومن قال من هذه الطائفة إن محمداً عليه السلام وأمته مخاطبون بكل شرائع من تقدم على الإطلاق فقد أحال لأن أحكام الشرائع تأتي مختلفة وإنما يتحدق قول من قال منها إنَّا متعبدون بما صح نقله من شرائع من قبلنا ولم تختلف فيه الشرائع وبالآخر مما اختلفت فيه لأنه الناسخ المتقدم ويرتبط في صحة نقل ذلك إلى ما وقع في القرآن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكاية أحكام سالفة كقوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به} [ص: 44] وكقوله: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14] وكحكاية تزويج شعيب ابنته بموسى عليهما السلام، وكحديث النبي عليه السلام في قضية سليمان بين المرأتين في الولد ونحو ذلك، ولا يقتضي قولهم أكثر من جواز أن يتعبد بذلك وأما وجوب أن تعبد فغير لازم، ولا يتعلق عندي أشبه في ذلك من أن يقال إن النبي عليه السلام شرع لأمته أن يصلي الناس صلاته إذا ذكرها، ثم مثل في ذلك لا على طريق التعليل بقوله عز وجل لموسى {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] فننقل نحن هذا إلى غير ذلك من النوازل ونقول إنه كما شرع عندنا المثال في نسيان الصلاة كذلك نشرع هذه الأمثلة كلها.قال القاضي أبو محمد: وهذا قياس ضعيف، ولو ذكر النبي عليه السلام قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] على جهة التعليل لكانت الحجة به قوية، ولا يصح أن يقال يصح عندنا نقل ما في الشرائع من جهة من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وغيره صحة ننقلها، وكذلك ما شرعه الحواريون لا سبيل إلى صحة شرع عيسى عليه السلام له، وقرأ ابن كثير وأهل مكة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة وعاصم {اقتده} بهاء السكت ثابتة في الوقف والوصل، وقرأ حمزة والكسائي {اقتد} قال بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف، وهذا هو القياس، وهي تشبه ألف الوصل في أنها تقطع في الابتداء وتوصل غير مبتدأ بها، فكذلك هذه تثبت في الوقف وتحذف في الوصل، وقرأ ابن عامر {اقتدهِ} بكسر الهاء دون بلوغ الياء، قال ابن مجاهد وهذا غلط لأنها هاء وقف لا تعرب على حال، قال أبو علي ووجه ذلك أن تكون ضمير المصدر كأنه قال اقتد الاقتداء، وقرأ ابن ذكوان على هذه {اقتدهِ} بإشباع الياء بعد الهاء، وقالت فرقة إن كسر الهاء إنما هو في هاء السكت كما قد تسكن هاء الضمير أحياناً.قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، ولا تجوز عليه القراءة بإشباع الياء، وقوله تعالى: {قل لا أسألكم} الآية، المعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله وتوحيده أستكثر بها وأختص بدنياها، إن القرآن إلا موعظة، وذكرى ودعاء لجميع العالمين..تفسير الآية رقم (91): {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}الضمير في {قدروا} و{قالوا} قيل يراد به العرب قاله مجاهد وغيره، وقيل يراد به بنو إسرائيل، قاله ابن عباس، وقيل رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الصيف قاله سعيد بن جبير، وقيل في فنحاص قاله السدي، {قدروا} هو من توفية القدر والمنزلة فهي عامة يدخل تحتها من لم يعرف ومن لم يعظم وغير ذلك، غير أن تعليله بقولهم {ما أنزل الله} يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثه الرسل و{حق} نصب على المصدر، ومن قال إن المراد كفار العرب فيجيء الاحتجاج عليهم بقوله: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} احتجاجاً بأمر مشهور منقول بكافة قوم لم تكن العرب مكذبة لهم، ومن قال إن المراد بني إسرائيل فيجيء الاحتْجاج عليهم مستقيماً لأنهم يلتزمون صحة نزول الكتاب على موسى عليه السلام، وروي أن مالك بن الصيف كان سميناً فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنشدك الله ألست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين» فغضب وقال والله {ما أنزل الله على بشر من شيء} والآية على قول من قال نزلت في قول بني إسرائيل تلزم أن تكون مدنية، وكذلك حكى النقاش أنها مدنية، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وغيرهما {وما قدّروا} بتشديد الدال {الله حق قدره} بفتح الدال، وقرأ الجمهور في الأول بالتخفيف وفي الثاني بإسكانه.وقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب} الآية، أمره الله تعالى أن يستفهم على جهة التقرير على موضع الحجة، والمراد ب {الكتاب} التوراة، و{نوراً وهدى} اسمان في موضع الحال بمعنى نيراً وهادياً، فإن جعلناه حالاً من {الكتاب} فالعامل فيه {أنزل}، وإن جعلناه حالاً من الضمير في {به} فالعامل فيه {جاء}، وقرأ جمهور الناس {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون} بالتاء من فوق في الأفعال الثلاثة، فمن رأى أن الاحتجاج على بني إسرائيل استقامت له هذه القراءة وتناسقت مع قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} ومن رأي أن الاحتجاج إنما هو على كفار العرب فيضطر في هذه القراءة إذا لا يمكن دفعها إلى أن يقول إنه خرج من مخاطبة قريش في استفهامهم وتقريرهم إبى مخاطبة بني إسرائيل بتوبيخهم وتوبيخ أفعالهم.قال القاضي أبو محمد: وهذا مع بعده أسهل من دفع القراءة، فكأنه على هذا التأويل قال لقريش من أنزل الكتاب على موسى، ثم اعترض على بني إسرائيل فقال لهم خلال الكلام تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً} بالياء في الأفعال الثلاثة، فمن رأى الاحتجاج على قريش رآه إخباراً من الله عز جل بما فعلته اليهود من الكتاب، ويحتمل أن يكون الإخبار بذلك لقريش أو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فأمته متلقية ذلك، و{قراطيس} جمع قرطاس أي بطائق وأوراقاً والمعنى يجعلونه ذا قراطيس من حيث يكتب فيها، وتوبيخهم بالإبداء والإخفاء هو على إخفائهم آيات محمد عليه السلام والإخبار بنبوته وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال مجاهد وغيره هي مخاطبة للعرب، فالمعنى على هذا قصد ذكر منة الله عليهم بذلك أي علمتم يا معشر العرب من الهدايات والتحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم.قال القاضي أبو محمد: وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} يصلح على هذا المعنى لمخاطبة من انتفع بالتعليم ومن لم ينتفع به، ويصح الامتنان بتعليم الصنفين، وليس من شرط من علم أن يعلم ولا بد، اما أن التعليم الكامل هو الذي يقع معه التعلم، وقالت فرقة بل هي مخاطبة لبني إسرائيل، والمعنى على هذا يترتب على وجهين، أحدهما أن يقصد به الامتنان عليهم وعلى آبائهم بأن علموا من دين الله وهداياته ما لم يكونوا عالمين به، لأن آباء المخاطبين من بني إسرائيل كانوا علموا أيضاً وعلم بعضهم، وليس ذلك في آباء العرب، والوجه الآخر أن يكون المقصود منهم أي وعلمتم أنتم وآباؤكم ما لم تعلموه بعد التعليم ولا انتفعتم به لإعراضكم وضلالكم ثم أمره تعالى بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل: الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ويحتمل أن يكون المعنى فإن جهلوا أو تحيروا أو سألوا أو نحو هذا فقل الله ثم أمره بترك من كفر وأعرض، وهذه آية منسوخة بآية القتال إن تأولت موادعة، وقد يحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديداً ووعيداً مجرداً من موادعة، و{الخوض} الذهاب فيما لا تسبر حقائقه، وأصله في الماء ثم يستعمل في المعاني المشكلة الملتبسة، و{يلعبون} في موضع الحال..تفسير الآية رقم (92): {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}قوله: {هذا} إشارة إلى القرآن، و{مبارك} صفة له، و{مصدق} كذلك وحذف التنوين من {مصدق} للإضافة وهي إضافة غير محضة لم يتعرف بها مصدق ولذلك ساغ أن يكون وصفاً لنكرة، و{الذي} في موضع المفعول، والعامل فيه مصدر، ولا يصلح أن يكون {مصدق} مع حذف التنوين منه يتسلط على {الذي}، ويقدر حذف التنوين للالتقاء وإنما جاء ذلك شاذاً في الشعر في قوله: [المتقارب]ولا يقاس عليه، و{بين يديه} هي حال التوراة والإنجيل لأن ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر، وقالت فرقة {الذي بين يديه} القيامة.قال القاضي أو محمد رضي الله عنه: وهذا غير صحيح لأن القرآن هو بين يدي القيامة، وقرأ الجمهور {ولتنذر أم القرى} أي أنت يا محمد، وقرأ أبو بكر عن عاصم {ولينذر} أي القرآن بمواعظة وأوامره، واللام في {لتنذر} متعلقة بفعل متأخر تقديره ولتنذر أم القرى أو من حولها أنزلناه، و{أم القرى} مكة سميت بذلك لوجوه أربعة، منها أنها منشأ الدين والشرع ومنها ما روي أن الأرض منها دحية ومنها أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى، ومنه ما لحق عن الشرع من أنها قبلة كل قرية فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات، وتقدير الآية لتنذر أهل أم القرى، {ومن حولها} يريد أهل سائر الأرض، و{حولها} ظرف العامل فيه فعل مضمر تقديره من استقر حولها، ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح وصفهم وأخبر عنهم أنهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور، و{يؤمنون} بالقرآن ويصدقون بحقيقته، ثم قوى عز وجل مدحهم بأنهم {يحافظون على صلاتهم} التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات، وقرأت الحست بن أبي الحسن وأبو بكر عن عاصم {صلواتهم} بالجمع، ومن قرأ بالإفراد فإنه مفرد يدل على الجميع وإذا انضاقت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالألف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تنضف إلى ضمير.
|